بالعودة إلى الحقوق العينيّة الأصلية في القانون السوري فإن حق الإنتفاع من الحقوق التي تتفرع من حق الملكية العقارية السورية وهو عبارة عن اجتماع حقين اثنين، حق الإستعمال وحق الإستغلال، وهو حق عيني يمنح صاحب الحق سلطة مُباشرة على الشيئ يستطيع بموجبها أن يستعمله أو أن يستغله دون إذن مالك الرقبة أو وساطته، كما أن حق الإنتفاع من المُمكن أن يكون منقولاً أو قد يكون عقارًا بحسب طبيعة الشيئ الذي يرد عليه وقد يكون في بعض الأحيان بعوض وأحيانًا بلا عوض، ويرتكز حق الإنتفاع على أي سبب من أسباب كسب الحقوق العينية باستثناء الميراث، وهذا يعني أن حق المنتفع واحد من الحقوق العينيّة، والذي لا ينشأ في العقارات إلا بالتسجيل في السجل العقاري وفق الأصول وهو ينقضي بموت صاحبه.
تتجسّد أهمية حق الإنتفاع في القانون السوري من الناحية الإقتصاديّة أنه يخّول صاحب حق الإنتفاع استعمال الشيء المنتفع به واستغلاله كالمالك تمامًا فيما عدا التصرفات بقيمة هذا الشيئ والذي يعود الحق فيه للمالك دون المُنتفع، أمّا من الناحية الإجتماعيّة فحق الإنتفاع يفتح الباب أمام أي مالك يود مُحاباة شخص آخر من أقربائه أو أصدقائه بمنحه حق المنفعة مُقابل أو من دون مُقابل، كما عالج المشروع السوري حق الإنتفاع في المواد 936 حتى 959 من القانون المدني السوري كالآتي:
- التعريف بحق الإنتفاع
عرفت الفقرة الأولى من المادة 936 من القانون المدني السوري الإنتفاع بأنه حق عيني باستعمال شيئ يخص الغير واستغلاله.
امّا القانون المدني الفرنسي فقد عرّف حق الإنتفاع بأنه الحق في الإنتفاع بشيئ مملوك للغير كما ينتفع به المالك نفسه، مع وُجوب المُحافظة على ذات الشيئ.
كما عرّف الفقه الإسلامي حق الإنتفاع بأنه حق عيني يخوّل المنتفع سلطة استعمال شيء مملوك للغير واستغلاله، وع وجوب المُحافظة على ذات الشيئ لرده إلى صاحبه عند نهاية الإنتفاع الذي ينتهي حتمًا بموت المُنتفع.
- خصائص حق الإنتفاع
1- حق الإنتفاع هو حق عيني ومن الحقوق المتفرعة من حق الملكية، فإذا كانت عناصر حق الملكية هي الإستعمال والإستغلال والتصرف فإن حق الإنتفاع ينحصر أيضًا في حقيّ الإستعمال والإستغلال، ولا يُترك في هذه الحالة للمالك سوى حق التصرف وهو الشخص الذي يُدعى بمالك الرقبة، فحق المالك محصور في الرقبة في حين أن حق المنتفع محصور في المنفعة، وعلى اعتبار أن حق الإنتفاع هو حق عيني فإنه يمكن الإحتجاج به تِجاه الكافّة.
2- حق الإنتفاع يولي صاحبه استعمال شيئ مملوك للغير واستغلاله، ففي الواقع يرد حق الإنتفاع على شيء يخص الغير، ويستوي أن يكون هذا الشيء منقولاً أو عقارًا، وقد نصَّ القانون المدني السوري واضح الدلالة في هذا الصدد، حيث قضت احكام المادة 936 بأن الإنتفاع هو حق عيني باستعمال شيء يخص الغير واستغلاله، وبناءً على ذلك فإن لصاحب حق الإنتفاع استعمال الشيء واستغلاله، فإذا كان الشيء عقارًا سكنيًا فله أن يسكنه وله كذلك الحق في جميع ما ينتج هذا الشيء من ثمار، علاوةً على أن حق المُنتفع مستقل عن حق مالك الرقبة، وتبعًا لذلك ف لا تكون العلاقة بينهما قائمة على أساس الشيوع، ولا يجوز لأحدهما المُطالبة بقسمة الشيء المنتفع به ولا ببيعه، فيما إذا كان غير قابل للقسمة، وبذلك بتجزأ حق الملكية عند نشوء حق الإنتفاع إلى جزأين؛ الجزء الأول يختص به المُنتفع به في الإستعمال والإستغلال، وجزء آخر يظل لمالك الشيء المنتفع به، ويقتصر على حق التصرف، وهذا يعني أن حق المالك محصور في الرقبة في حي أن حق المنتفع محصور في المنفعة.
3- حق الإنتفاع هو حق مؤقت، وينتهي بوفاة المُنتفع، كما أن خصيصة التوقيت راجعة إلى طبيعة حق الإنتفاع نفسه، بمعنى أن ينتهي إمّا بحلول الأجل المُحدد وإمّا بوفاة المُنتفع أيُهما أقرب لذلك فإن حق الإنتفاع لا يورث وبالتالي لا ينتقل إلى الورثة، فهو مؤقت بِخلاف حق الملكية فهو دائم، وبهذا يختلق حق الإنتفاع عن حق التصرف في الأراض الأميريّة، والذي في الأصل يعد حقًا دائمًا، إذ ينتقل بعد وفاة المتصرف إلى ورثته، ويرجع السبب في إنهاء حق الإنتفاع بوفاة المنتفع دائمًا إلى أن هذا الحق ينشئ وضعًا استثنائيًا معقدًا، فالمالك يحتفظ بحق التصرف، ولكن مع ذلك لا يستطيع التصرف بما يملكه.
- يجب أن يكون المتصرف بحق الإنتفاع على ملكه مالكًا ملكية تامّة للشيئ الذي يرد عليه حق الإنتفاع ومتمتعًا بأهلية التصرف، فإذا كان المُتصرف صبيًا غير مُميز فاقد الأهلية فقد يعد تصرفه باطلاً لصدوره عن عديم التمييز، وفي هذه الحالة، يجب التمييز بين ما إذا ما كان التصرف بعوض أو من دون عوض كالهبة التي توجب أن يكون العقد محررًا بسند رسمي وموثق وإلا وقع باطلاً، فإذا كان بعوض عُدَّ من التصرفات الدائرة بين النفع والضرر التي تتطلب موافقة الممثل القانوني وهي بطبيعتها قابلة للإبطال لمصلحة من صدرت عنه، وإذا كان التصرف من دون عوض يعدّ من التصرفات الضارّة ضررًا محضًا وهي باطلة.
1- ترتيب حق انتفاع لمصلحة أشخاص متعددين على التعاقب، وسواء أتم ذلك بطريقة الشيوع أم عن طريق الإفراز، فيجب في هذه الحالة أن يكون المُنتفعون جميعًا أحياء يوم إنشاء هذا الحق، كما تُحدد مدة حق الإنتفاع حينئذٍ من حيث المآل بحياة منتفع آخر، ويُعد هذا الشرط أساس لترتيب هذا النوع من الإنتفاع، ذلك أن حق الإنتفاع المُقرر لمصلحة أشخاص متعاقبين يقتضي أن يستفيد كل منتفع على التعاقب وبعد انتفاع الآخر، وفي حال كان بعض المُنتفعين غير موجود وقت إنشاء حق الإنتفاع، في هذه الحالة يُعد العقد باطلاً، ولا ينفذ في حقه في سوريا لأن نفاذه حينئذٍ ينشئ ما يشبه الوقف الذري، وهذا الأخير لم يعد مسموحًا به وفق التشريع السوري.
2- حظر المشروع السوري إنشاء مثل هذا الحق، فقد نصت المادة 936/3 من القانون المدني على أنه لا يجوز إنشاء حق الإنتفاع لصالح الشخص الإعتباري، وبناءً على ذلك يُعد باطلاً إنشاء المنافع لمصلحة الشخص الإعتباري، لأن مثل هذا الحق من شأنه أن يحبس المال المُنتفع به عن التداول بصورة تشبه الوقف الذري، وهو ما لا يجوز العمل به في التشريع السوري، كما يضيف الفقه إلى أن منع المشروع السوري إنشاء حق انتفاع لمصلحة شخص إعتباري إنما مرده صون حق مالك الرقبة من الأضرار التي قد تلحق به، ودرءًا لتلاشي قيمة ملك الرقبة، نتيجة تحميلها بحق انتفاع مؤبد للغير، وحتى لا تحبس الأموال عن التداول بإنشاء ما يشبه الوقف عن غير الوقف.
3- يجوز إنشاء حق الإنتفاع منجزًا أو مقترنًا بشرط واقف أو فاسخ أو مُضافًا إلى أجل واقف، وعلى اعتبار أن عقد إنشاء حق انتفاع هو عقد مؤقت ينتهي بانتهاء مدته فإنه يكون على الدوام مقترنًا بأجل فاسخ، امّا بالنسبة إلى الأجل الواقف فيصح قانونًا أن يتضمن هذا العقد مثل هذا الشرط، فيكون في محله القانوني ونافذًا وفقًا لما جرت عليه أحكام المادة 937 التي نصّت على أنه يمكن إنشاؤه أجل أو شرط فلو اتفق شخص مع آخر على ألا يستري معاد الإنتفاع إلى في أول كانون الثاني 2010 وكان العقد قد أتم في أول تموز من العام المُنصرم فإن هذا الإتفاق يُعد في محله القانوني يُجاري منطوق النص القانوني أعلاه.